السبت، فبراير 18، 2006

"ينتهي الفساد حين يتوقف "الرفس و التردّي

دخلت هذه الليلة مقهى النت هذا و في هذه الساعة المتأخرة من ليالي بلادي و كلمات تكاد تخنقني، و لست مبالياً بسُحب دخان السجاير التي لا زالت تُبخر القاعة منذ الصباح، لكن ما يخنقني أكثر هو هذه المفارقات العجيبة في المجتمع الحر السعيد.

لا شك أن مبادرة اللجنة الشعبية العامة برئاسة الدكتور شكري غانم بإنشاء صفحة على الإنترنت كانت خطوة جيدة في طريق إيصال المعلومة عموماً لليبين – أو بعضهم على الأقل دون أدلجة الإذاعة الليبية و غباء إعلام المجتمع الحر السعيد، و أنا هنا إستخدمت تعبير "بعض الليبين" لأن الكثيرين منّا شغلوا عن الإهتمام بما يدور في بلدهم و ما يُحاك لهم.
سأعترف بأنه إنتابني بعض الشعور بالذنب لبعض الوقت بعد أن قرأت بعض ردود د. شكري غانم على موقع اللجنة الشعبية العامة و هو يتحدث عن أسباب البطالة و تضخم الجهاز الإداري و الفساد المالي و الإداري في الدولة، و كيف أن زيادة الأجور بحد ذاتها ليست حلاً للمشاكل الإقتصادية للشعب الليبي. إنتابني ذلك الشعور لأنني أحسست أنّي ربما من بين كثيرين ممّن ظلموا الرجل، فهو وضع بين السندان و المطرقة، و لعله يحاول وسعه لتحسين الأوضاع في ليبيا في ظروف صعبة و بين أطراف لعبة ليس هو أقواها.

و مع هذه الرياح الآتية عبر الاطلسي يأتي أحد الأدعياء ممن نُسبوا إلى هارفارد ليقدم لليبيين و الليبيات حلاً جاهزاً لمشاكل ليبيا الإقتصادية الهيكلية، و لا يُنتظر من الليبين إلا أن ينزعوا الغلاف عن هذا الحل الأعجوبة و الذي و بحلول 2019 تصبح معه ليبيا منارة للتحول الإقتصادي و إعادة الهيكلة الإقتصادية و نمودجاً يُحتدى به في المنطقة و العالم. كيف لا و قد أتى هذا الحل المعلب من أمريكا و من أحد منتسبي هارفارد تحديداً، و هل ينطق هؤلاء على الهوى؟! و هل يُناقشون فيما يقولون؟
و دُعي للإستماع لهذا الدعيّ كل أساتذة الإقتصاد في الجامعات الليبية و طلبة الإقتصاد و كل من له -و من ليس له- علاقة بالإقتصاد ليسمع لهذه الدُرر!!
و لا أدري هل أنا أعجب من هذا اليانكي الذي أجزم أنه لا يفقه كيف تُدار الأمور في المجتمع "الحر السعيد"، و لا كيف و لماذا و صلت الحال في ليبيا إلى ما وصلت إليه؟ و كم دامت دراسته "الميدانية" للأوضاع في ليبيا، و هل تراه تمكن من فرصة المرورعلى المدرج الأخضر ليستفيد و يستزيد من حِكم بو دبّوس؟
أم أنا أعجب من بلدي التي صار تخطيط مستقبلها و اللعب بمقدراتها لعبة يتسلى بها الرعاع من القوم؟ و مصيره موضوعاً لتصريحات متتالية ممن يريدون أن يثبتوا لأطراف في الغرب بعضاً من مؤهلاتهم و يدللوا على أنّ الحكم الفردي و الدجل مرض وارثي...

د. شكري غانم في ردوده على موقع اللجنة الشعبية العامة أشار إلى أن الفساد – المالي و الإداري ظاهرة عالمية موجودة في كل الدول، و هذا حقًّ، لكن فرقٌ بين أن يكون الفساد المالي و الإداري هو القاعدة و نقيضه الإستثناء.
لماذا يا دكتور يتفشى الفساد المالي و الإدراي في المجتمع "الحر السعيد" رغم جهاز الرقابة الشعبية و اللجان الثورية في كل مكان و القوافل الثورية و لجان التطهير و الصحافة الخضراء و حتى لجان مؤتمر الشعب العام التي شُكلت مؤخراً لتتبع الفساد الإداري و المالي في جهاز الدولة، و قبل هذا و بعده مع وجود القيادة التاريخية؟؟؟
يا دكتور، لعلك تعرف جيداً أن الفساد المالي و الإدراي سينتهي إذا إجتمعت شروط و إنتفت موانع: ينتهي مع وجود إطار قانوني للدولة من منظومة قوانين صاغها عُقلاء هدفهم مصلحة البلاد و العباد و ليس صياغة الدُرر مما نظمه "القايد" في خُطبه و "توجيهاته".
ينتفي إذا أدرك المواطنون أن أرواحهم و أعراضهم و أموالهم و كرامتهم و كل حقوقهم المادية و المعنوية مُصانة في دولة القانون.
ينتفي الفساد في جهاز الدولة إذا أدرك المواطنون إمكانية الدفاع عن حقوقهم المادية و المعنوية أمام قضاء نزيه، لا قضاء تُباع فيه القضايا -و لكل قضية و لكل قاضٍ ثمن!
ينتفي الفساد حين يُولى المسؤل طبقاً لمقياس الكفاءة لا غير، و ليس لسجل إنجازاته في مكتب الإتصال باللجان الثورية و ما أدراك ما مكتب الإتصال...
ينتفي الفساد حين ينتهي هذا السفه في جهاز القرار في الدولة الليبية و هذا التخبط و الشلل، حين لا يتحرك شيء في جهاز الدولة إلا إذا أذن "القايد" و حين يكون الأصل في الأشياء المنع إلا أن يأذن "القايد"!
فلا يجتمع برلمان البلاد إذا نسي "القايد"!
و لا عليكم فأمور الدولة "ماشية" سواء إجتمع مؤتمر الشعب العام هذه السنة أم لم يجتمع، فالميزانية أقرت، و ما الذي سيُناقشه المُجتمعون؟
و لكن قبل ذلك على أي أساس أقرت الميزانية أصلاً؟؟؟؟

يا دكتور، الفوضى في البلد و ما يترتب عنها لن تتوقف طالما أصرّ "القايد" -و كلماته بموجوب قانونٍٍ ساري المفعول في ليبيا "منهج عمل"- طالما أصرّ "القايد" أن يتدخل في كل شيء و يقول:
"أي طالب من الثانوية يعدي يدخل الكلية إلي يبيها"!
و "ما تقولوا أن الكلية ما تتحمل و ما تتسع، دبّروا"!
هذي هي يا قايد "أنتم دبّروا"!!
ينتهي التخبط يا دكتور حين لا يستطيع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الليبية الصمت حين ما يسمعوا لتوجيهات هي بحكم القانون بمجرد النطق بها، لا لشيئ إلا أنها قالها "القايد
ماذا أصاب عقولكم؟
و من ذا الذي لا يُسأل عمّا يفعل و كلماته لا تُناقش؟
لقد جادل بعضكم في كل شيء حتى في مُحكمات الشرع! فما بالكم؟
لم يستطع هذه المرة حتى رجب بودبّوس أن يصمت، و نطق لتنبيه قائده أنه لا معنى لوجود ثانويات تخصصية و معاهد متوسطة إذا سُمح لخريجي هذه المؤسسات الدخول للجامعة و لأي كلية شاؤا- حسب توجيهات "قايد النصر و "التحدي
ينتهي الفساد المالي و الإداري و التضخم المفرط في جهاز الدولة و الهدر في المال العام و الهبوط في مستوى الخدمات الصحية و في مستوى التعليم بكل مستوياته من الإبتدائي إلى أكادمية صالح إبراهيم حين يتوقف "الرفس "و التردّي
و لن نحتاج عندها لخبراء من هارفارد و لا ستانفرد ففي الشرفاء من أبناء ليبيا الكفاية و إن غداً لناظره قريب.

الحفيان