الجمعة، فبراير 24، 2006

حتى يكون 17 فبراير حلقة في تاريخ الإنعتاق


وقفتم بين موتٍ أو حياةٍ ... فإن رُمتم نعيم الدهر فاشقوا
و للأوطان في دم كل حرٍ ... يدٌ سَلَفت و دينٌ مُستحّقُ
و للحرية الحمراء بابٌ ... بكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ

الأحداث في بنغازي تتواصل ...
شباب من صغار السن يقومون بالدور الرئيس...
النظام حاول إحتواء الأزمة من خلال التعتيم من ناحية و التلبيس من ناحية أخرى- الإحالة على التحقيق لمدير الأمن العام و نقل مرضى للخارج و "شهداؤنا" و...و...
الغبية هدى بن عامر-أمينة اللجنة الشعبية ببنغازي- حين سؤلت على الجزيرة ليلة أمس- عن الضحايا الذين سقطوا من أجل "حماية السلك الدبلوماسي" كما قالت!
أي سلك و أي دبلوماسية- و أي دبلوماسي يساوي قطرة دم من أبناء ليبيا الشرفاء؟
"و كانت إجابتها الأخري حين ذكر لها عدد الشهداء يوم الجمعة قالت: "ذلك لتعلم اوربا نحن كم ضحينا
من أنت؟ و من الذي ضحى؟ و في سبيل من؟
مال هؤلاء القوم من أزلام القذافي لا يكادون يفقهون حديثا؟

الإنتفاضة بينت أمور و أوضحت أولويات في العمل الوطني، منها عدم وجود بنية تحتية للمعارضة حتى على شكل خلايا نائمة مدربة على أعمال قيادة و توجيه العصيان المدني، و قادرة على إستغلال تقنيات حديثة لخرق الحصار المعلوماتي الذي يفرضه القذافي. و منها أيضاً التركيز إلى حد ربما يكون مبالغ فيه على "الرأي العام العالمي" و الإعلام العالمي...
الإعلام العالمي و "الرأي العام العالمي" لن يحرر لنا ليبيا الحبيبة. من سيحرر ليبيا هم أبناء ليبيا، الإعلام العالمي إذا رأى الأحداث وصلت إلى حد من التفاقم يمكن أن يبدي بعض الإهتمام لكنه لن يدخل المعركة نيابة عنا نحن الليبيون
و منها كذلك غياب دور الجامعات و فئة الطلبة فيها تحديداً، مُلفت للنظر و لابد من إعادة النظر في فرضية سَرت و انتشرت: وهي أن طلبة الجامعات في ليبيا الأن "لا يفقهون شيئا" و "غير مثقفين سياسيا" و "ليسوا بمستوى طلبة الجامعات الليبية في الستينات و السبعينات بل و حتى الثمانينات من القرن المضي". و حتى على إفتراض بعض الصحة في هذا الطرح، فمسئولية من أن تركنا الجامعات و طلبتها على هذا الحال؟
طلبة الجامعات هم مواطنوا الغد، و عليهم -كما على باقي شباب ليبيا تقع مسئولية بناء ليبيا المستقبل، و هم فئة أهملت لظروف ما خلال العشرين سنة الأخيرة- وهذا أمر رغِبه القذافي جداً و باركه لعلمه بالدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه فئة الطلبة الجامعيين في مقاومة حكمه الظالم...

هل إختلف اسلوب النظام في التعامل مع معارضيه من خلال نموذج أحداث 17 فبراير؟
الحقيقة لم يختلف الأسلوب، فأساسه القمع و إستعمال القوة دون ضابط (إستشهاد 11 مواطناً على الأقل، مع إصابات لا يعلم عددها إلا الله، الإنتشار العسكري حول بنغازي، المناورات الهزيلة التي حضرها الصعلوك الساعدي و خالي الوفاظ و البرعم خميس مع حضور اللواء -موظف المراسم بوبكر)، و يمتد إلى محاولة شراء الدمم و إسكات الأصوات المرتفعة بالمال و محاولة إستخدام نفوذ رؤوس القبائل وهنا يتضح الدور الخطير المنوط بما يسمى "بالقيادات الشعبية"، و التعتيم الإعلامي.
هل هو نجح؟ إلى حد كبير نعم نجح في الأول و الثالث و هو لا يزال مستمر في الأسلوب الثاني.

ماذا عن الشارع الليبي، رغم الإحتقان الشديد في الشارع الليبي كان غياب الوعي الحركي واضحاً. إن الذي يعمل جاداً للتخلص من ظلم القذافي و زمرته لا يبدأ في التفكير فيما يجب عليه فعله عند وقوع أحداث كأحداث بنغازي، و لا يجب أن تفاجئه مثل تلك الأحداث فيعجز عن توظيفها لمصلحة القضية الوطنية. دور فئة الشباب و حماسهم كان واضحاً في أحداث بنغازي الإسبوع الماضي لكن غياب الجامعات كان مقلقاً للغاية.
"المعارضة" في الخارج: عليها إعادة النظر في حساباتها و أساليبها و إستراتيجيتها، فهي و إلى حد بعيد لازالت تعمل بأساليب الثمانينات: إجتماعات متباعدة، و بيانات في مناسبات، و يلعن بعضها بعضا. إجتمعت في لندن الصيف الماضي و كأن إجتماعها هدف لذاته، و غير بيانات متباعدة لا شيء يذكر.
السؤال هو هل تجاوز الشارع الليبي المعارضة الليبية بكل فصائلها في الخارج و بالتالي على "المعارضين" في الخارج قراءة الواقع و الشارع الليبي قراءة واعية و تغيير طرحها و أساليبها للحاق بالشارع الليبي؟

المراهنة على الأجنبي و لوم الإعلام العالمي و العربي لن يجدي شيئاً، الإعلام العالمي يبحث عن الحدث و فترة إنتباهه لأي حدث قصيرة جداً إبتداءً، و في الحالات القليلة التي يواصل فيها تغطية قضية ما فلأن أطراف ما تعمل بجد و مثابرة على إستدامة تصدر و كثافة تغطية وسائل الإعلام لذلك الحدث. الإعلام العربي يسري عليه بعض ذلك و له حسابات أخرى يفرضها مالك المؤسسة الإعلامية أو الدولة المقر.

للإنتقال بالقضية الوطنية في ليبيا إلى الأمام و التي تشكل أحداث 17 فبراير التي سطرها شباب بنغازي بدمائهم حلقة من حلقاتها، علينا إستشعار أن هذه القضية ليست لهواً نعطيه أفضال أوقاتنا، بل هي هم يومي و دَين قائم نحن دافعوه أملاً لغدًٍ أفضل تنعم فيه بلدنا الحبيبة ليبيا بالحرية و العدالة و النماء، فإن قَصرت أعمارنا عن ذلك فلنعمل على أن تكون ليبيا كذلك لأبنائنا من بعدنا.

هناك مساحات للعمل الوطني متاحة داخل ليبيا غير مستغلة- و ليس من الضروري إفتراض أن كل عمل وطني هو عمل سياسي مباشر. فمقاومة الفساد و فضحه و تعريته عمل وطني، و التمسك بالحقوق و عدم التفريط فيها عمل وطني، و إتقان العمل و التفاني فيه واجب وطني.

أما المعارضة الليبية فعليها تبني أهداف محددة و واضحة مع الإستمرار في العمل من أجل تحقيقها. من هذه الأهداف: الإفراج عن السجناء السياسين بدون شرط أو قيد، و إطلاق الحريات العامة في التعبير و التجمع و الإنتظام في مؤسسات أهلية إلغاء قوانين العقوبة الجماعية، و إلغاء و تصفية جهاز اللجان الثورية و تنحية رموزه من مواقع القرار في الدولة، محاربة الفساد المالي في أجهزة الدولة بكافة مستوياتها، و تشكيل وزارة من المختصين لا تتضمن الوجوه التي ملّتها الأعين و أثبتت فشلها في الماضي، و إعتماد ميزانية متوازنة للدولة يتم الإلتزام بها بدقة دون إستثناءات، و الإحالة على المعاش لكبار الضباط الذين أزكمت رائحة فسادهم المالي الأنوف و عدم تقليدهم أي مناصب تنفيذية في الدولة مع مراجعة الثروات الشخصية لكبار الضباط حتى الذين تقاعدوا منهم حديثاً، تنحية أبناء القذافي من أي مناصب تنفيذية في الدولة و إلغاء صلاحياتهم، و إلغاء ما يسمى بإعلان سلطة الشعب، البدء بصياغة مشروع دستور ليبي جديد و إلغاء كل صلاحيات القذافي.

و إن غداً لناظره قريب
الحفيان
http://tripoli-blogger.blogspot.com