الخميس، أغسطس 07، 2008

ورقات ليبية مبعثرة في صيف 2008


إن من حرض و مارس و قاد العنف "الثوري" و المحاكم الثورية و علق المشانق في مدن و قرى ليبيا خلال العقود الأربع الماضية لا يمكن أن يٌقبل كحَكمٍ في أي مصالحة وطنية...
معمر القذافي قاد تلك المرحلة بكل مظالمها و جرائمها، فقد تمت تحت سمعه و بصره و بتحريض منه، أن العالم إختلف و الإتحاد السوفيتي تفكك، وحزب البعث تبعثر فهذا لا يبرر تلك الجرائم و لا يجعلها مستساغة أو مبررة إلا عند سيف القذافي...
لم يكن العنف و القمع في ليبيا القذافي مجرد حوادث هنا و هناك أو تجاوزات من أفراد، بل هو سياسة منظمة و نهج إخططه من إخططه بكامل وعي و إصرار...
ثم و إذا سلمنا بأن كل الجرائم التي أشر إليها سيف القذافي في كلامه الأخير و غيرها مما أغفل ذكره كانت تجاوزات, أما من مسئولية و لو أخلاقية لمن كان له زمام الأمور طيلة تلك السنوات؟

لكي تتم مصالحة وطنية, لا يكفي أن تقول أنه" كانت هناك تجاوزات ولكن ...", مشكلتنا في هذه الكن التبريرية التي ترفض الإعتراف بالخطأ...

ثم أي مصالحة وطنية هذه التي لا تتم إلا تحت عينك أنت فقط؟ سيف القذافي وحده يحدد أي ملف من ملفات السنين الماضية و الحاضرة يفتح؟ و متى و أين و بأي ضوابط؟ و كيف يقفل؟

أين نحن من ليبيا الدستور و ليبيا القانون و ليبيا النظام و ليبيا بدون إجراءات إستثنائية، حديثك الأخير كان إجراءاً إستثنائياً... بأي صفة حققت في عنف دولة القذافي؟ و بأي صفة تقول أن التحقيق قد أستُنفذ؟ و بأي صفة ستُحوِل الملف للنيابة كما تقول؟ بأي صفة تعلن قفل هذا الملف أو غيره؟
بأي صفة تتفاوض أنت مع الميركان و ترهن مستقبل ليبيا؟
بأي صفة تترسم متوحداً ملامح ليبيا المستقبل؟
أولم يجرب الليبيون ذلك من قبل، مع قائد "النصر!!و التحدي!!"
لماذا لا تدافع عن حق الليبيين، جميعهم، الأن، في حرية التعبير، و التجمع و العمل الصحفي و السياسي العلني و الحر؟
لماذا كل شيء محصور فيكم آلبيت القذافي؟ لماذا الإصرار على إحتلالكم منابر المجتمع المدني؟ هل هو لإجهاضها؟

مشكلتنا ليست في نظر من يقود "سيارة" البلد و عيناه مسمرتان في المرآة الخلفية, مشكلتنا أن السائق غير مؤاهل أصلاً! نقطة أول السطر.

ثم القول أنه في الثورات يحدث و يحدث... إذا سمينا إنقلاب سبتمبر 1969 ثورة، فقل لنا يا سيف القذافي ماذا حققت هذه الثورة التي إستلزمت حدوث كل تلك الجرائم؟ هل نقلت ليبيا من خانة الدولة الريعية المعتمدة تماماً على النفط؟ هل بُنيت دولة أصلاً خلال 39 سنة من حكم أبيك؟ الفساد المستشري في الدولة و التخلف الذي تشهد عليه شوارع مدننا في أي عهد ترعرع؟

ثم هناك إستحقاقات أخرى: ليبيا اليوم هي نتاج ما تم فيها في العقود الماضية، و بالتالي إذا كان الماضي أسود كما إكتشفت الأن- و بعد خراب مالط! كيف يمكن لجلادي الشعب الليبي "و أبنائهم أن ينعموا بما كسبت أيديهم من ثروات الشعب الليبي ليظلوا بذلك قوة ضاربة و سيفاً مسلطاً... فدهاقنة مكتب الإتصال و خضر الدماء و أولادهم صاروا أصحاب رساميل من أموال ملطخة بدماء و دموع ضحايا الأربع عقود الماضية... كيف يمكن لرُوّاد تلك المرحلة الزاخرة بالجرائم أن ينطلقوا بالمجتمع الليبي لغده...

كيف في ليبيا اليوم و الغد أن نستسيغ وجود تنظيمات مثل اللواء 69 و رفاق "القائد" و مواليد "الفاتح" و مواليد الفاتح فرع المعادي و الأقصر و.. و.. و.. و لا أنسى هنا رابطة أوفياء و رفاق خوك الساعدي...يال الهول! رفاق من ؟ هذه ليست من الأمس , فقط إقرأ الزحف الأخضر و الفجر الجديد- أو حتى أويا و قورينا خلال الشهرين الماضيين!

إذا كانت اللجان الثورية و ذراعها المسلح إجراءاً إستثنائياً فما مبرر وجودها الأن في ليبيا اليوم؟ و كذا القول على تعطيل الدستور و قوانين حماية "ثورة القذافي" و تجريم العمل السياسي الحر و قوانين العقوبة الجماعية!

قبل الخوض في قانون العقوبات و الذي لم تخل إشارتك إليه من تطمين للندن و واشنطن بأنه سيكون بمقاس "غرب-إنساني"! قبل ذلك ليتفق الليبيون على الإطار الدستوري لقوانينهم...على مرجعية تخرجهم من عقم نظام كتابكم الأخضر الذي لم يزد عقول أبناء ليبيا و ربوعها إلا تصحراً...
إطار لا يلزمهم بخطوطك الملونة، فبأي تشخيص يصبح القذافي خطاً أحمر؟ و ما معنى ذلك؟ و هل سينساق ذلك بالتبعية على كل ما يقوله و يفعله و يقرره و يصدر عنه, هو و أولاده؟

ثم ألم يتم إعلان 2 مارس الذي صار سوطاً مسلطاً على رقاب الليبين, ألم يتم تحت ظروف إستثنائية بحيث أن من عارضه في ذلك الوقت- و إلى الأن- يوصم الرجعية و العمالة و هو مستحق للسحق في الميدان؟ هذا البيان و الظروف التي أحاطت به إجراء إستثنائي بني على الإكراه و بالتالي فهو لليبيين غير ملزم! و إن كان سيف القذافي صادقاً في تصفية "تجاوزات" حقبة السبعينات و ما تلاها, فهذا أول مطلب .

إن القول بأن "الشباب" إرتكبوا أخطاء و فضائع و غرر بهم و أنساقوا وراء أوهام التكفير في إطار أي مصالحة وطنية مفترضة يستدعي السؤال عن أي دور لمن كان يفترض أنه يدير دفة البلاد و الذي كان يحرض علناً و على روؤس الأشهاد على العنف و التصفية الجسدية و يطرب لأنغام" شنقاً في الميدان" و يحرض على العقوبات الجماعية و "تهديم بيوتهم...و تشريد أطفالهم..." كيف يخرج مثل هذا من دائرة النقاش؟
و لكي لا يزايد أحد فإنا نرفض العنف ضد الأبرياء و من أي طرف صدر، و الضحايا من رجال الأمن يقعون ضمن دائرة الأبرياء.

ماقدمته قناة سيف القذافي التلفزيونية ليلة الجمعة كان مخيب للأمال... "نتكاشف" على أن تظهر الدولة و أجهزة الأمن على أنها الضحية ... و أن المشكلة هي "الليبيون الأفغان"!
و ما قدمه من معلومات و أغلب صوره كان يمكن لأي مهتم الحصول عليها إما من شبكة المعلومات أو من برامج لمحطات تلفزيونية أخرى، و باقي الصور للجثث و الأشلاء فمن أجهزة أمن الدولة... و "القيادي" نعمان بن عثمان فمع معلوماته متوفر! فشعار "الحقيقة" من أجل ليبيا للجميع لم يكن إلا تكريساً ل" لا اريكم إلا ما أرى"...
العنف خلال سني حكم القذافي لم يبدأ بجمعات الغلو في التسعينات من القرن الماضي، فعسف و قمع أجهزة الدولة كان أسبق، ثم و حتى في تلك الحقبة أين إقتحام البيوت و ترويع الأبرياء و الجموع من الأبرياء التي اودعت السجون و ممارسات فرق القبض و زوار الفجر من شريط قناة سيف؟
ألا ترى أنك ترى "الحقيقة" بنظارة النظام و أجهزته القمعية حتى بعد مرور كل هذا الوقت...
، لم يظهر في الشريط على سبيل المثال حتى اسرة واحدة أو أم واحدة فجعت في ابنها الذي لا علاقة له بجماعات الغلو... وقطعاً لا يمكن اختزال المظالم و ممارسات أجهزة القمع في الدولة في الحرب ضد الليبية المقاتلة أو غيرها من جماعات الغلو، أين منا السبعينات؟ و السجن المركزي؟ و شنق الطلبة في ساحات الجامعة، هل كان أولئك تكفيرين ايضاً؟ أين محاكم المهازل في 84 و حفلات الإعدام و التي كان يتلذذ عناصر الحزب الحاكم (اللجان الثورية) بالتعلق بأجساد ضحاياهم متدلية من أعواد المشانق و التى لم يسبق أن نصبت بتلك الصورة إلا في فترة حكم الطليان!
الحقيقة ليست مجرد كلمة تقال مفرغة من معانيها، يكفي دجل!

ما وقع في ليبيا خلال العقود الأربعة الماضية لا يمكن شطبه في ساعة...فيه دروس و عبر لا بد من الوقوف عندها و إستيعابها، و دون أن يستأثر طرف بحق تحديدها و تشخيصها والحكم عليها...العقود الماضية من زمن حكم القذافي ولدت شبكة متداخلة يزداد تعقيدها و تراكم مصائبها يوماً بعد يوم. فلابد من تشخيصها و تفكيك منظومة الفساد و القهر و الظلم و التخلف التي هي الحال في ليبيا اليوم. و لابد لهذا الجهد من أن يكون جهداً وطنياً لا ينفرد به نظام القذافي و لا أجهزته القمعية و لا مؤسسة سيف القذافي...بدون خطوط حمراء إلا ماتفق عليه الليبيون في مجموعهم... ليقول الليبيون حقاً بعد ذلك: لن يتكرر ما وقع أبدا!

لأهلنا نقول هل ستنتظرون إلى الصيف القادم ليظهر عليكم سيف القذافي بما أذن له به أبوه و نصح به الميركان من سناريو سمج للسنه (الحلقة) التالية من مسلسل التوريث في ليبيا "الغد"؟

و لسيف القذافي ... لا تخرج محاولاتك، بوضعها الحالي على الأقل عن محاولة إستخراج شهادة براءة لنظام القذافي من جرائمه في حق الليبين... ليبصم الليبيون على صك التوريث ... المصالحة الوطنية تستدعي الحقيقة دون تزييف أو تحريف و دون سخافات المدعو امبيرش!
عندما يعلم الليبيون الحقيقة كاملة...عندها فقط لهم الصفح إن هم أرادوا ذلك و إن كان من حقهم أن لا ينسوا! أما إعتقادك بأنك ستشتري سكوت الليبيون على مظالمهم و بأموالهم فهيهات...

الحفيان
يوليو 2008
El7efyan@yahoo.co.uk