مازلنا دايخين في كُسْبرة....
إذاً معمر القذافي "القايد!" هو أحد مواطني المؤتمر الشعبي الأساسي "أبومليانة" في طرابلس, و هو أيضاً "يعمل" في نطاق مؤتمر أبومليانة. هذا ما أوضحه لنا أمين المؤتمر في توضيحه لحضور القذافي لأحد جلسات أبومليانة. عضو المؤتمر هذا "القذافي" لديه خصوصية في أنه لا يحضر إلا محاطاً بأعضاء مجلس الوزراء الليبي "اللجنة الشعبية العامة", و لا ننسى طبعاً باقي الإكسسوارات! و هو أيضاً لديه خصوصية أخرى أن "بيته" يحتل مساحة شاسعة من مساحة المؤتمر! و لا أحد يعلم تماماً ما هو شغله في نطاق مؤتمر بومليانة؟
و حين يحضر "المواطن" القذافي جلسات أي إجتماع لأي مؤتمر تحدث أشياء: ناس ترحب, ناس تكيل المديح, ناس تبي تشوف حل لمشكلتها مع أمانة المؤتمر.....
إستمر الكلام في مؤتمر بومليانة...
عضو المؤتمر الاستاذ "شعبان" قال لازم إنزيدوا عدد الوفدين للدراسة بالخارج..."
وسأل عن تضخم أعداد الخريجين الذين لا يجدون عمل...و خريجي الطب الذين يشتغلون كباعة في الصيدليات...
وطالبَ بالزي الجامعي! لكن على الطالِب أن يدفع!..
و ذكرإنتشار وباء كليات الطب في كل عشر كيلو متر....
و تسأل عضو المؤتمر الاستاذ شعبان لماذا طلاب الدراسات العليا الليبين في الخارج يدرسون جولوجيا جبال هنولولو مثلاً بدل دراسة مشاكل محلية يمكن الإستفادة منها مستقبلاً؟
وهذه أسئلة وجيهة من أي مواطن ليبي, لكني سأجيب رجاء الأستاذ شعبان لأنه لن يجد من يجيبه من الحضور: لا عضو المؤتمر القذافي و لا رئيس وزرائه و لا المفتش العام للتعليم يستطيع الجواب و لا له الشجاعة ليجيب. أنا سأجيبك يا أستاذ شعبان:
سؤالك عن الإيفاد للخارج يدخل فيه عدة مسائل: منها و لعله أهمها, ما هو الهدف من الدراسات العليا في ليبيا؟
لقد تحولت في الثلاثة عقود الأخيرة إلى منحة يعتبرها الجميع تقريباً في ليبيا حقاً مكتسباً عند الولادة و السبب أنهم يرون فيها فترة هروب من واقع علمي و إجتماعي و سياسي و مادي لا أمل معه إلا توفير بعض الدولارات من أصل المنحة و الغياب خرج البلد إلى أطول مدة ممكنة. و النتيجة أنها أُبتعث من يستحق و الكثير جداً ممن لا يستحق, و هذه مشكلة ندخرها للمستقبل طبعاً كما يدخر المجتمع الليبي الكثير من المصائب للتعامل معها بعد نهاية كابوس القذافي!
القضية ليست في الإبتعاث في حد ذاته, و لكن لأي هدف؟ و مثال بعثات السكة الحديد غير بعيد...
و يدخل في هذا ايضاً سؤالك عن ما الذي يدرسه طالب الدراسات العليا في الخارج, و الذي من لحظة خروج قرار الإيفاد و هو يلهث لإتمام إجراءاته كي لا تضيع عليه الفرصة بتغير المسؤل الذي عنده الملف! و يرجع إلى وضع "كما كنت"! فلا هو في هذه الفترة و لا الجهة التي إبتعثته معني بأين سيدرس و ما سيدرس, المهم يسافر و لأطول فترة و لأرخص دولة إن أمكن...أنا لا أعمم ولكن هذا الغالب و الشاذ يحفظ...
و هذا له علاقة بدور الجامعة في المجتمع...في ليبيا, و أغلب الدول العربية, حيث أصبحت الجامعة روضة للمراهقين! و لم تعد مؤسسة استشارية يستعان بها لحل مشاكل المجتمع المختلفة و إيجاد حلول مناسبة تتوافق مع واقع البلد و معطياته الإجتماعية و المادية و البشرية و الطبيعية , و من هنا تدخل الدراسات العليا فهي آلية الدراسة و تقديم الحلول لمشاكل المجتمع. و هذا يتطلب من الأستاذ الجامعي أن يخرج من إطار كونه "مدرساً" لمرحلة بعد الثانوية العامة. و هنا تكتمل الدائرة: يبتعث من لا يستحق و يدرس ما لا ندري و ربما ما لا تحتاجه البلد و يأتي بشهادة يعتقد أنه بها أصبح "علمٌ علامة و فهمٌ فهامة", و يلتحق بسلك التدريس في الجامعة و يمارس دوره "كمدرس" لا كمرجع ترجع إليه مؤسسات البلد, و هكذا دواليك...و يمكن أن يستمر الإبتعاث لمئة سنة بهذه الطريقة و لن يتغير شيء....و مثال مصر ليس بالبعيد!
الدراسات العليا بوضعها الحالي و منذ سنوات قد طالت, يا أستاذ شعبان مأساة أخرى تضاف إلى مأسي ليبيا...
جاء بعده الحاج "علي"..والذي قال أنه خريج مدرسة محو الأمية بشارع الزاوية...(و هذا ليس بعيب بل هو ميزة تحفظ للحاج علي)...
و تكلم الحاج و قال" الإنجليزي هذا متعب! و صعب! وخلونا زي قبل"!!!!
و هذه استوقفتني "خلونا زي قبل", و أخال هذه كلمة عفوية صادقة من مواطن يعايش الواقع اليومي في ليبيا!
و قال الحاج أيضاً:"و التعليم التخصصي هذا فكونا منه...و كيف عاد إنديروا زي في العهد البايد وين ما كان الواحد يمشي لمصر و يدبر شهادة و يجي و يقول أنا محامي أو ...أو...ميصيرش عاد"!
لكن أقول للحاج لو جاز ما قلته عن "العهد البايد" فما تقول في ما آل إليه واقع التعليم في بلد يسعى ولي الأمر لشراء الإسئلة لإبنه في الشهادة الثانوية...
ثم "يفرح" و "يبتهج" "بنجاحه" بل و "بتفوقه" بعد ما أبتاع له الوالد "الحريص" أسئلة الثانوية و لم ينس أن يبتاع أيضاً الإجابات النموذجية....
و بعد ذلك كله يخاصم هذا الوالد على "حق" إبنه " المتفوق" في الدخول ليدرس الطب!
ألم أقل لك يا حاج أن في ليبيا مجتمعاً أختلت موزينه و أصبح يكذب الكذبة و يعيشها و يصدقها إقتداءً "بعضو" المؤتمر القذافي الذي من زمان تعلم أن يكذب الكذبة و يصدقها!
و قال أيضاً أو لعلها الأخت الكريمة التي تكلمت بكلام جميل بعد الحاج علي ينم عن حرقة و قالت "و بعدين ردونّا محو الأمية"!!!
صحيح فبعد أكثر من خمسين سنة من قيام الدولة لا زالت في ليبيا أمية حقيقية و أرجو أن لا يحتج علي أحد بعدد الطلبة أو المدارس فنحن ليبيون و عارفين البير و غطاه!
و بعد عدد أخر من المتكلمين, جاء دور الأستاذ "المصّعد" على التعليم, فقال "لا كيف! طبعاً فيه استراتيجية للتعليم في ليبيا و فيه أيضاً فلسفة للتعليم"! لكن لم يقل لنا الاستاذ ما هي هذه الفلسفة! و زاد " و بعدين مافيش أمية في ليبيا أبداً"!
و قال أيضاً "راهو التعليم مكلف يا أخوان"! , و "حتى في الدول المتقدمة يفرضوا في ضرائب تخصص للإنفاق على التعليم"!, و "فيه مشكلة في التعليم في العالم كله مش غير عندنا بس"!
و قال ايضاً أن مخرجات التعليم "ضعيفة جداً" !
عندها قفزت أحدى أعضاء المؤتمر هاتفةً "علم يا قايد علمنا...,كيف انحقق مستقبلنا...."
وللأستاذاللمصّعد على التعليم نقول تجاهلنا للمشاكل ,بل المصائب التي يعانيها التعليم لن يجدي...و في المرة القادمة إذا تكلمت أرجو أن تتصور أنك تنظر إلى نفسك في المرأة, فهل تستطيع أن تقول ما قلت و أنت تنظر إلى عينيك في المرأة؟
أشك في هذا... لأنك كملامس لقطاع التعليم أدرى بما يدور فيه!
أما أن التعليم مكلف و غير مكلف, فسأضم هذه إلى مسألة تكدس الخريجين دون عمل:
يا أخوانا سكان ليبيا على أكثر تقدير 7 أو 8 مليون و ليبيا تنتج من النفط ما يقرب من 1.5 مليون برميل في اليوم و بتكلفة إنتاج منخفضة- بالعربي دولة غنية- فلا يسوغ بأي حال من الأحوال الحديث عن بطالة و تكاليف عالية للتعليم بهذه المعطيات, سكان ليبيا ليسوا ستين مليون كي تكون هناك مشكلة تشغيل أو إنفاق على التعليم أو الصحة في ليبيا...إفهم هذا يا أستاذ جيداً و أنا أرجو إن كنت لازلت تقف أمام أبناء الليبين للتدريس أن لا تكون تمارس مثل هذا التزيف و الدجل, و تحت أي عذر!
ثم يدخل على الخط المفتش العام للإسكان....و كان من بين ما أفادنا به أنه هناك 3 مليارات تنتظر مخصصة للإقراض! و فيه 100 ألف وحدة إسكانية يراد إنشاؤها...."المشكلة يا قايد تصور ما فيش قدرة محلية لتنفيد هذه المشاريع! تصور يا قايد! الليبين يقولوا ما فيش شغل و ما ييوش يشتغلوا في البناء! تصور"!
طيب يا أستاذ, لو سلمنا بعزوف الخريجين الليبين عن الشغل كما تريدهم في مجال البناء –و نحن نقر أن هذا لا يضير- لكن أولاً لماذا لا تتحمل الدولة مسؤلياتها تجاه هؤلاء الخريجين الذين هم نتاج عملية تولت الدولة إدارتها؟
و تذكر ما قلنا من أن سكان ليبيا ليسوا كما تمنى أحدهم يوماً "ستين مليون"!
ثم أن عدم وجود عمالة لتنفيد مشاريع إسكانية قال رئيسك الدكتور أن الحاجة إليها ماسة و عاجلة, ألا يترتب على هذا تحمل أعلى جهة تنفيذية في البلاد مسؤلياتها من أجل إيجاد من ينفذ هذه المشاريع؟
أم ستظل أنت و الدكتور تلوكون هذه العلكة – هناك مليار- و لكن الليبين عازفين عن الشغل في البناء!
قبل أن أنسى القايد قدم تهنئة للجماهير على "هالديمقراطية الحقيقية" و بلاش قطاف زايد متاع تدوال سلطة ماتداول سلطة...شن هذا؟
(! الجماهير هي دابة كل مرة يركبها واحد و إلا شنو؟"... (أنا بس"
و في الاسبوع الماضي أيضاً بث التلفزيون الليبي لقاء "الدكتورة" عيشة مع اسر أطفال مأساة الإيدز, و هذا طبعاً في إطار بحثها المتواصل عن "دور" "مهم" في الحياة العامة....و قالت "أنا إبنتَكم عائشة...."و طلبت منهم الوقوف لقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الأطفال! ثم قالت "و لكني أيضاً عائشة معمر القذافي...الذي وقف أمام 49 دولة... و أبى إلا أن يأخد القضاء مجراه في هذه القضية"!
و مصيبتنا مع ذرية القذافي مصيبة قائمة لا شك, و في الأصل أنه لا تزر وازرة وزر أخرى, لكنكم إرتضيتم أن تكونوا تقحموا أنفسكم في الحياة العامة ...فلا حرج!
أذكر هنا بيت لأحد الإخوة من سنوات:
إحنا هلك يا عيشا كثر عنانا إنفلق دلونا من يوم سيدك جانا!
تتباكين على أطفال الإيدز...أفلا سألت عن الجناة الحقيقين بدل التلاعب بمشاعر الناس!؟
في ليبيا مشكلة بسيطة: الجميع يدرك و إن كان على دراجات متفاوتة سبب المصائب و موطن الداء و مكان الورم... لكنّا لسنا مستعدين بعد لمبضع الجراح...
و إن غدًا لناظره قريب....
الحفيان